بعد أن تأسست الدولة العبيدية في المغرب سنة (297هـ)، واستقر الأمر لهم صار هدفهم غزو الأندلس لجعل المغرب الإسلامي كله خاضعًا للتشيع فيصبح بذلك العالم الإسلامي منقسمًا إلى قسمين قسم شرقي تابع للخلافة العباسية وقسم غربي تابع للدولة العبيدية الشيعية ..
فقام العبيديون بالتمهيد لمذهبهم الشيعي في الأندلس مستخدمين الجواسيس الذين كانوا يقصدون الأندلس متخفين تحت ستار التجارة أو السياحة أو طلب العلم. وكان لهؤلاء الرجال مواهب خاصة وخبرة في التعامل الدعوي مع شرائح الشعب الأندلسي،
وكان من مهام هؤلاء تقديم تقارير وافية عن الأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية بالأندلس. وواكب هذه التحركات انشغال الإمارة الأموية في الأندلس بمواجهة الثورات التي كانت تعصف بها من الداخل،
كما كانت مشغولة بصد اعتداءات الكاثوليك على شمال الإمارة، وزاد من خطورة الدولة العبيدية على الأندلس امتلاكها لقوة بحرية منظمة في المغرب ..
داوم الشيعة ومناصريهم في الأندلس على تأجيج الفتن والقيام بمحاولات من الثورة المسلحة لإقامة دولة على أسس شيعية في الأندلس،
إلا أن الموقف السياسي الداخلي تغير بعد ذلك؛ حيث عادت الخلافة الأموية إلى السيطرة القوية على الأندلس بفضل عبد الرحمن الناصر الذي تلقب “بالخليفة والناصر لدين الله أمير المؤمنين”، ففرض الناصر بذلك سلطته وهيبته داخل الأندلس وخارجها.
وإزاء هذا المد الشيعي قام الناصر بعدة إجراءات فنشر الجواسيس في انحاء المغرب للوقوف على نشاط وقوة ونية العبيديين تجاه الأندلس،
وقد ساعد وجود جاليات أندلسية على طول الساحل المغربي في إنجاح مهمة هؤلاء الجواسيس، وبشكل خاص أن هذه الجاليات كانت قوية التمسك بعقيدتها السُنية، وشديدة الكراهية للمذهب الشيعي. ورأت السلطة العبيدية في المغرب ذلك تحديًا لها وتعديًا شديد الخطورة،
ففرضوا القتال وأعلنوا استحلال دم الناصر.
فما كان إلا أن ضرب إسطولهم سواحل الأندلس، وهاجمت سفن العبيديين ثغر ألمَرِيَّة سنة (344هـ)، وأحرقت ما فيه من سفن، وخَرَّبت كل ما استطاعت تخريبه،
فكان ردُّ عبد الرحمن الناصر عليهم عنيفًا؛ إذ أمر بإخراج أسطوله إلى سواحل الدولة العبيدية، وردَّ لهم الصاع صاعين،
وعاد العبيديون سنة (345هـ ) وعلموا أنهم لا طاقة لهم بالأندلس، فلم يُعيدوا الكَرَّة مرة أخرى ..
.
المصدر
ذكرى سقوط الخلافة
تاريخ اسلامي